تشهد جمهورية تنزانيا المتحدة منذ صباح اليوم الأربعاء، توجه ملايين الناخبين إلى صناديق الاقتراع للمشاركة في الانتخابات العامة لعام 2025، التي تشمل اختيار رئيس جديد للبلاد وأعضاء البرلمان والمجالس المحلية، وسط أجواء انتخابية تتسم بالهدوء والتنظيم وفق ما أعلنته اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات.
وتعتبر هذه الانتخابات من أكثر الاستحقاقات أهمية في تاريخ تنزانيا الحديث، إذ تأتي في وقت تسعى فيه البلاد إلى تعزيز مسارها الديمقراطي وتحقيق مزيد من الاستقرار السياسي والاقتصادي بعد مرحلة من التحولات التي شهدتها السنوات الأربع الماضية.
وتخوض الرئيسة سامية صولوحو حسن غمار المنافسة سعيا للحصول على ولاية رئاسية جديدة، بعد أن تولت الحكم في مارس 2021 عقب وفاة الرئيس الراحل جون ماغوفولي، لتصبح أول امرأة تتولى رئاسة البلاد منذ استقلالها عام 1961.
إجراءات انتخابية في تنزانيا
ووفق بيانات اللجنة الوطنية للانتخابات، يبلغ عدد الناخبين المسجلين أكثر من 37 مليون مواطن، يدلون بأصواتهم في نحو 20 ألف مركز اقتراع داخل البلاد وخارجها، وسط إجراءات أمنية مشددة لضمان سير العملية الانتخابية بسلاسة.
وتم اعتماد أكثر من 100 منظمة محلية ودولية لمراقبة الانتخابات وتقييم نزاهتها، من بينها الاتحاد الإفريقي ومجموعة دول الكومنولث وعدد من المنظمات غير الحكومية المتخصصة في مراقبة العمليات الديمقراطية.
وذكر مكتب النائب العام في تنزانيا أن العملية الانتخابية تجري وفق أحكام الدستور وقوانين البلاد، مشددا على أن السلطات وفرت كل الضمانات القانونية لضمان الشفافية والنزاهة في مراحل الاقتراع والفرز وإعلان النتائج.
وأوضح المكتب أن جميع مراكز الاقتراع مزودة بأنظمة مراقبة وتدقيق للتأكد من سلامة سير العملية وأن المفوضية الانتخابية ستتعامل مع أي خروقات أو شكاوى وفق القانون.
الرئيسة سامية تراهن على انجازاتها
وتخوض الرئيسة سامية صولوحو حسن الانتخابات وهي تراهن على إنجازاتها في مجالات التنمية الاقتصادية وتمكين المرأة وتحسين العلاقات الخارجية.
وفي السنوات الماضية، عملت حكومتها على جذب الاستثمارات الأجنبية وتعزيز البنية التحتية، إلى جانب إطلاق مبادرات لدعم التعليم والصحة والطاقة النظيفة.
إلا أن منافسيها يرون أن الطريق نحو ترسيخ الديمقراطية لا يزال يحتاج إلى خطوات أكبر لضمان التعددية السياسية وتعزيز حرية التعبير.
ويقول محللون سياسيون إن هذه الانتخابات تمثل اختبارا حقيقيا لشعبية الرئيسة سامية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية وتأثير الأزمات العالمية على أسعار الغذاء والطاقة في شرق إفريقيا.
ويشارك في الانتخابات أكثر من عشرة مرشحين للرئاسة يمثلون أحزابا سياسية متنوعة، أبرزها الحزب الحاكم “تشاما تشا مابيندوزي” (CCM) الذي تتزعمه الرئيسة سامية وحزب “الاتحاد من أجل التغيير الشعبي” (CHADEMA)، بالإضافة إلى أحزاب معارضة أخرى تطمح لتحقيق نتائج أفضل بعد سنوات من الهيمنة السياسية للحزب الحاكم.
وتشير استطلاعات الرأي المحلية إلى منافسة قوية في بعض الدوائر الانتخابية، لا سيما في المدن الكبرى مثل دار السلام وأروشا وموانزا، بينما يُتوقع أن يحتفظ الحزب الحاكم بتفوقه في المناطق الريفية.
تأمين العملية الانتخابية في تنزانيا
وأعلنت وزارة الداخلية التنزانية عن انتشار آلاف من عناصر الشرطة في مختلف المناطق لضمان الأمن والنظام خلال الاقتراع، مشيرة إلى أن الأجهزة الأمنية تعمل على تسهيل مشاركة المواطنين وضمان سير العملية بسلاسة دون أي تجاوزات.
وأكدت الوزارة في بيانها أن الحكومة تحترم حرية التعبير والتجمع، لكنها شددت على أنها لن تسمح بأي محاولات لعرقلة سير الانتخابات أو الإخلال بالأمن العام.
مراقبة دولية للانتخابات في تنزانيا
فيما أعربت بعثات المراقبة الدولية عن رضاها المبدئي عن مستوى التنظيم والإقبال الشعبي، مشيرة إلى أن العملية تسير بانضباط وأن مراكز الاقتراع مجهزة بشكل جيد.
وقال مراقبون بالاتحاد الإفريقي في دار السلام إن “العملية الانتخابية في تنزانيا تسير ضمن إطار قانوني واضح وتنظيم جيد وهناك التزام من الناخبين والسلطات على حد سواء باحترام الإجراءات المتبعة”.
ومتوقع أن تصدر اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات النتائج الأولية خلال 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، على أن يتم إعلان النتائج النهائية خلال سبعة أيام كحد أقصى.
وأكدت اللجنة أن جميع عمليات الفرز ستجرى في مراكز محلية بحضور ممثلي الأحزاب والمراقبين المستقلين وأن النتائج ستُنشر بشكل تدريجي عبر المنصة الرسمية للجنة.
وتحظى الانتخابات في تنزانيا بمتابعة واسعة من قبل المنظمات الإقليمية والإفريقية والدول الكبرى، نظرا لأهمية البلاد كإحدى أبرز الاقتصادات في شرق إفريقيا وعضو مؤثر في مجموعة شرق إفريقيا.
ويرى متابعون أن استقرار العملية الانتخابية سينعكس إيجابا على مجمل المنطقة، خصوصا في ظل الاضطرابات التي تشهدها بعض الدول المجاورة، مثل الكونغو الديمقراطية وموزمبيق.
وتأتي الانتخابات في تنزانيا في سياق أوسع من التحولات السياسية التي تشهدها القارة الإفريقية، حيث تسعى العديد من الدول إلى ترسيخ الممارسات الديمقراطية وتوسيع المشاركة الشعبية.
ويرى محللون أن التجربة الديمقراطية في تنزانيا، رغم تحدياتها، تمثل نموذجا إيجابيا للاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة في القارة السمراء، إذ حافظت البلاد على نهج انتخابي منتظم منذ استقلالها، بعيدا عن الصراعات العنيفة والانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض الدول الإفريقية.
وتسود تنزانيا اليوم أجواء من التفاؤل والحذر في آن واحد، فالمواطنون يتطلعون إلى مرحلة جديدة من التنمية والاستقرار، فيما تتابع المؤسسات المحلية والدولية مجريات الاقتراع لضمان نزاهته وشفافيته.
وبينما تترقب الأوساط السياسية الإعلان الرسمي عن النتائج خلال الأيام المقبلة، تبقى الأنظار متجهة نحو دار السلام لمعرفة ما إذا كانت الرئيسة سامية ستنجح في كسب ثقة الناخبين مجددا أم أن صناديق الاقتراع ستحمل مفاجآت غير متوقعة.

