تواصل بعثة جامعة باليرمو الإيطالية المتخصصة في دراسة وصيانة المواقع الأثرية أعمالها بمدينة صبراتة، إحدى أهم المدن الليبية المدرجة على قائمة التراث العالمي وتأتي هذه الجهود ضمن برنامج تعاون طويل المدى بين الجانب الليبي ونخبة من المختصين الدوليين، بهدف حماية التراث الأثري وصونه من عوامل التدهور.
وقد وصلت البعثة إلى ليبيا خلال الشهر الماضي، لتباشر مهامها على الأرض بالتنسيق الكامل مع مصلحة الآثار الليبية ومراقبة آثار صبراتة ووفقا لما جاء في بيان المكتب الإعلامي للمصلحة، فإن الفريق الإيطالي بدأ منذ الأيام الأولى مباشرة أعمال الحفريات والترميم وتوثيق القطع الأثرية، مع التركيز على مجموعة من المواقع التي تُعد من أبرز معالم المدينة.
وتعمل البعثة الإيطالية وفق برنامج علمي دقيق يهدف إلى استكمال الأعمال التي بدأت في مواسم سابقة، مع التركيز على ثلاثة مواقع بارزة في صبراتة تشكل جزءا مهما من النسيج المعماري القديم للمدينة.
أولا: معبد سيرابيس
يعد معبد سيرابيس من أبرز المعابد الرومانية في شمال إفريقيا ويتميز بعمارته الفريدة التي تجمع بين الطرازين اليوناني والروماني وتركز أعمال البعثة على تدعيم الأجزاء المتهالكة من جدرانه وإعادة تركيب بعض القطع الحجرية التي انهارت خلال العقود الماضية، إضافة إلى تنفيذ أعمال تنظيف دقيقة للحفاظ على نقوشه وزخارفه.
ثانيا: البهو المعمد (الباسيليكا)
يمثل البهو المعمد إحدى أهم المنشآت العامة التي كانت تستخدم لأغراض سياسية ودينية واجتماعية في الحقبة الرومانية وتعمل البعثة على استكمال الحفريات في الأجزاء التي لم تكشف بالكامل بعد، إضافة إلى توثيق الأرضيات الرخامية وإعادة تثبيت الأعمدة التي تعرضت للتصدع بسبب الظروف المناخية وتقادم الزمن.
ثالثا: فيلا البحر
فيلا البحر واحدة من أكثر المواقع الأثرية تميزا في صبراتة، إذ تطل مباشرة على الساحل وتحتوي على لوحات فسيفسائية نادرة وتنفذ البعثة أعمال ترميم دقيقة تهدف إلى تثبيت الفسيفساء وحمايتها من الرطوبة والملوحة، إلى جانب صيانة الجدران والأرضيات وإعادة تأهيل المسارات الداخلية.
بالإضافة إلى العمل الميداني في المواقع المفتوحة، تولي البعثة اهتماما خاصا بـأعمال التوثيق والأرشفة داخل المخازن والمتاحف التابعة لمراقبة آثار صبراتة وتشمل هذه الأعمال تسجيل القطع الأثرية وتصنيفها وتصويرها باستخدام تقنيات حديثة تساعد على حفظ البيانات للأجيال القادمة وهو جهد يشارك فيه باحثون ومرممون ليبيون لتعزيز تبادل الخبرات وتطوير الكفاءات المحلية.
جهود دولية لتعزيز حماية التراث في صبراتة
وتشكل أعمال بعثة جامعة باليرمو جزءا من استراتيجية أوسع تهدف إلى حماية التراث الأثري الليبي، خاصة في مدينة صبراتة التي تعد من المدن الساحلية الغنية بالآثار الرومانية والفينيقية وتواجه منذ سنوات تحديات تتعلق بالتدهور الطبيعي وعوامل المناخ، إضافة إلى التأثيرات السلبية التي شهدتها البلاد خلال فترات الاضطراب.
وتؤكد مصلحة الآثار الليبية أن التعاون مع الخبرات الدولية، وخاصة الجامعات المتخصصة، يسهم في تنفيذ برامج ترميم تتوافق مع المعايير العالمية ويضمن حماية المواقع من الانهيار أو الطمس التدريجي كما يساعد وجود خبراء دوليين على تدريب العاملين المحليين وإكسابهم مهارات حديثة في الترميم والمسح الأثري وتقنيات التوثيق الرقمي.
ويبرز هذا التعاون أيضا في تنفيذ برامج مشتركة بين الطرفين تشمل:
- رفع القدرة الاستيعابية للكوادر الليبية في مجال الترميم عبر ورش تدريب مكثفة.
- تحسين إدارة المواقع الأثرية من خلال وضع خطط حماية طويلة الأمد.
- إنشاء قواعد بيانات رقمية لحفظ السجلات الأثرية وتوفيرها للباحثين محليًا ودوليا.
- تعزيز الوعي المجتمعي بقيمة التراث من خلال برامج تثقيفية وأنشطة ميدانية.
وتأتي هذه الجهود ضمن إطار أوسع يشمل دعما دوليا لقطاع الآثار في ليبيا، في ظل إدراك المجتمع الدولي لأهمية حماية صبراتة وغيرها من المدن الأثرية التي تمثل جزءا أصيلا من الذاكرة التاريخية للمتوسط.
وصنف موقع صبراتة عام 1982 ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، بفضل ما يحتويه من مسارح ومعابد ومباني أثرية تعود لحقب تاريخية مختلفة غير أن هذا التصنيف ترافق مع تحذيرات متكررة من إمكانية إدراج الموقع ضمن قائمة التراث المهدد بالخطر في حال عدم توفير أعمال صيانة دورية ومستمرة.
وتأتي أهمية عمل بعثة جامعة باليرمو، التي تمثل واحدة من الجهات العلمية ذات السمعة المرموقة في مجال الترميم الأثري فالجهود التي تبذل في إعادة ترميم المواقع المتضررة وتوثيق القطع الأثرية تسهم بشكل مباشر في:
- إطالة عمر المباني التاريخية وحمايتها من الانهيار.
- استعادة أجزاء مهمة من الهوية المعمارية القديمة التي اشتهرت بها صبراتة.
- توفير بيئة آمنة لاستقبال الزوار والباحثين والسياح مستقبلا.
- تعزيز فرص إعادة إحياء السياحة الثقافية التي كانت تمثّل أحد مصادر الدخل المهمة للمدينة والمجتمع المحلي.
وتؤكد الجهات المختصة أن الأعمال الحالية ستستمر لعدة أشهر، على أن تستكمل بمراحل جديدة وفق خطة مشتركة بين الطرفين تهدف إلى تغطية أكبر عدد ممكن من المباني القديمة التي تحتاج إلى ترميم.

