شهدت أسواق الطاقة عالميا خلال الساعات الماضية تراجعا ملحوظا في أسعار النفط، حيث هبطت العقود الآجلة لكل من خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط إلى أدنى مستوياتها في شهر، وسط موجة من التقلبات الجيوسياسية والاقتصادية التي أعادت رسم المشهد النفطي مجددا.
وجاء هذا التراجع في وقت تتكثّف فيه الجهود الدولية وعلى رأسها المساعي الأميركية، للتوصل إلى اتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا وهو عامل قد يعيد فتح خطوط الإمداد النفطية التي تأثرت بالحرب منذ بدايتها.
ووفق بيانات التسوية اليومية، انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 82 سنتا، أي بنسبة 1.3%، لتصل عند الإغلاق إلى 62.56 دولارًا للبرميل وفي المقابل، تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 94 سنتا، ما يعادل 1.6%، ليستقر عند مستوى 58.06 دولارًا للبرميل وعلى مدار الأسبوع، فقد الخامان نحو 3% من قيمتهما، ليغلقا عند أدنى مستوى منذ 21 أكتوبر الماضي.
وجاء هذا الهبوط مخالفا لتوقعات المحللين الذين رجحوا أن تحافظ الأسعار على نطاق تداول مستقر، مدعوما بتخفيضات الإنتاج التي تقودها “أوبك بلس” لكن التطورات الجيوسياسية المتسارعة فرضت ضغوطا هبوطية أقوى مما كان متوقعا.
تأثير المحادثات الأميركية الروسية الأوكرانية على السوق
وكثفت الإدارة الأميركية جهودها لإقامة مسار تفاوضي جديد يهدف إلى إنهاء الصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا ورغم أن المحادثات ما تزال في مراحلها الأولية، إلا أن الأسواق المالية والطاقة تفاعلت معها بسرعة، كون أي انفراجة في الأزمة قد تفتح الباب أمام عودة جزء من الإمدادات الروسية إلى الأسواق الأوروبية والعالمية.
وتعتمد أوروبا بشكل كبير على واردات النفط والغاز الروسية ومع بدء الحرب تقلصت هذه الإمدادات نتيجة العقوبات والمواجهات العسكرية ولذلك، أُعيد رسم خريطة الطاقة العالمية وارتفعت أسعار النفط في مراحل عديدة بسبب نقص المعروض ومع ذلك، فإن أي مؤشرات إيجابية للسلام تفسّر عادةً بأنها خطوة نحو زيادة الإمدادات وبالتالي تضغط على الأسعار نحو الهبوط.
عوامل ساهمت في الضغط على الأسعار
وإلى جانب التطورات الجيوسياسية، شهد السوق مجموعة من العوامل الاقتصادية التي ساهمت في تعزيز موجة الهبوط، من بينها:
1. تباطؤ الطلب العالمي
مؤشرات التصنيع في كل من الصين والولايات المتحدة أظهرت تراجعًا خلال الأسابيع الأخيرة وهو ما يعكس تباطؤًا محتملا في استهلاك النفط، خاصة في القطاعات الصناعية والنقل.
2. قوة الدولار الأميركي
ارتفاع قيمة الدولار جعل شراء النفط — المسعر بالدولار — أكثر تكلفة بالنسبة للدول الأخرى، ما أدى إلى تقليص الطلب الفعلي.
3. توقعات زيادة المعروض
بالإضافة إلى الإمدادات الروسية المحتملة، تشير التقارير إلى زيادة الإنتاج في الولايات المتحدة، خصوصا من النفط الصخري الذي يسجل مرونة كبيرة في مواجهة التغيرات السعرية.
4. المخزونات العالمية
كشفت بيانات وكالة الطاقة الدولية عن ارتفاع طفيف في المخزونات التجارية لدى بعض الدول الصناعية، ما يعزز فكرة وفرة الإمدادات مقابل الطلب.
وتحرص مجموعة “أوبك بلس” على الحفاظ على توازن السوق عبر سياسة خفض الإنتاج التي تهدف إلى دعم الأسعار غير أن التطورات الأخيرة جعلت المهمة أكثر تعقيدا، إذ يواجه التحالف ضغوطا متزايدة في ظل توقعات بانتعاش الإمدادات الروسية والأميركية.
وقد يضطر التحالف خلال اجتماعاته المقبلة إلى إعادة تقييم استراتيجيته في حال استمر الضغط الهبوطي، خصوصا إذا استمرت بيانات الطلب العالمية في الإشارة إلى تباطؤ واضح.

