شهدت العاصمة الليبية طرابلس انطلاق فعاليات المعرض الدولي للخدمات المصرفية والمالية، الذي نظمه مصرف ليبيا المركزي بمشاركة واسعة من المصارف التجارية والمؤسسات المالية والخبراء والمهتمين بالشأن الاقتصادي ويأتي هذا الحدث في وقت حرج تشهد فيه ليبيا جهودا متسارعة لإعادة هيكلة القطاع المالي وتعزيز التحول نحو الخدمات الرقمية الحديثة.
المعرض الدولي للخدمات المصرفية والمالية الذي أقيم تحت شعار “التحول نحو اقتصاد رقمي مستدام” مثّل محطة مهمة لاستعراض أحدث الابتكارات في مجالات الدفع الإلكتروني وإدارة الأصول والخدمات المصرفية الذكية وأكد أهمية بناء منظومة مالية وطنية قادرة على مواكبة التحولات الإقليمية والعالمية في مجالات المال والأعمال.
المعرض الدولي للخدمات المصرفية والمالية والتحول الرقمي
يأتي تنظيم المعرض الدولي للخدمات المصرفية والمالية ضمن رؤية مصرف ليبيا المركزي الرامية إلى دعم التحول الرقمي وتوسيع نطاق الشمول المالي في البلاد. فالمعرض لم يكن مجرد تظاهرة اقتصادية، بل منصة لتبادل الخبرات وبحث سبل توظيف التكنولوجيا في تحسين جودة الخدمات المصرفية وتقليل الاعتماد على النقد الورقي.
ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن وفاء خفافة، رئيسة فريق المعرض الدولي للخدمات المصرفية والمالية، قوله إن المعرض يهدف إلى “فتح آفاق جديدة للتعاون بين المصارف الليبية في مجالات الدفع الإلكتروني وتطوير الخدمات الرقمية وتنسيق الجهود لتحسين تجربة الزبائن”، مؤكدة أن المرحلة المقبلة تتطلب تكاملا حقيقيا بين المؤسسات المصرفية لتحقيق التحول المنشود.
دور المصارف الليبية في التحديث والتطوير
وأوضح محمد الجابري، رئيس قسم المبيعات بإدارة تسويق وتطوير المنتجات بمصرف الجمهورية، أن المصرف يعمل على توسيع خدماته الإلكترونية بما يشمل “تطبيقات الدفع للتجار وخدمة مصرفي بلاس للأفراد” وهي خدمة تتيح للمستخدمين تنفيذ معاملاتهم دون الحاجة إلى النقود الورقية، مما يسهّل عمليات الشراء والتحويلات المصرفية اليومية، وفق وكالة الأنباء الليبية.
وكشف يوسف الصغير تركمان، المدير المكلف بإدارة التسويق في مصرف الأمان للتجارة والاستثمار، عن إطلاق المصرف سلسلة من القنوات الرقمية الحديثة، من بينها “الفروع الذكية” التي تمكن الزبون من فتح الحساب وإدارة بطاقاته والحصول على خدماته المالية ذاتيا.
وأشار إلى أن المصرف أطلق كذلك سيارات جوالة تقدم الخدمات المصرفية الميدانية في المناطق البعيدة، بالإضافة إلى تطبيق “أمان موبايل” الذي يمكّن العملاء من إجراء معاملاتهم رقمياً بسهولة.
وفي سياق متصل، تحدث محسن عاشور زقوقو، رئيس مجلس الخبرات المصرفية الليبية، عن أهمية تأسيس المجلس كمنصة وطنية تجمع المصرفيين والخبراء والمتقاعدين من أجل تطوير القطاع المالي. وقال: “هدفنا خلق كيان مهني يستفيد من الخبرات المتراكمة ويعمل على طرح مبادرات ورؤى علمية تساهم في تحسين أداء المصارف الليبية وتعزيز كفاءتها”.
ودعا زقوقو المصارف الليبية والبنك المركزي إلى دعم المجلس والمشاركة الفاعلة في برامجه المستقبلية، مؤكدا أن النهوض بالقطاع المصرفي يتطلب التعاون بين الأجيال وتبادل الخبرات الفنية والإدارية.
وأكد جلال الصادي، مستشار رئيس مجلس الإدارة بالمصرف التجاري الوطني، أن المصرف يسعى إلى “الانتقال الكامل من الخدمات التقليدية إلى الرقمية” عبر مجموعة من التطبيقات الذكية التي تتيح معرفة الرصيد والتحويل وشراء الخدمات إلكترونيا كما أشار إلى خدمة “كويسك” التي تتيح طباعة البطاقات المصرفية فورا وخدمات أخرى تهدف إلى تحقيق الشمول المالي والوصول إلى مختلف شرائح المجتمع.
وأوضح أن المصرف التجاري الوطني افتتح 15 فرعا في أنحاء البلاد حتى عام 2025 ويخطط للتوسع في افتتاح فروع رقمية جديدة تقدم خدمات إلكترونية متكاملة دون الحاجة إلى التعامل النقدي المباشر.
تحديات القطاع المصرفي الليبي
رغم الجهود الكبيرة المبذولة، ما تزال الخدمات المصرفية في ليبيا تواجه تحديات هيكلية، أبرزها ضعف البنية التحتية الرقمية ونقص الكفاءات الفنية وتداعيات الانقسام السياسي الذي أثر على استقرار الأنظمة المالية وتفاوت جودة الخدمات بين المدن.
وتعاني المصارف الليبية من أزمة مزمنة في السيولة النقدية وضعف ثقة المواطنين في التعاملات المصرفية وهو ما يجعل التحول الرقمي أحد الحلول الاستراتيجية لاستعادة ثقة الجمهور في النظام المالي.
ويشير خبراء الاقتصاد إلى أن نجاح ليبيا في التحول إلى الخدمات المصرفية الإلكترونية سيحدث نقلة نوعية في إدارة الأموال والعمليات المالية وسيسهم في تقليل التداول النقدي ومكافحة غسل الأموال وتعزيز الشفافية في المعاملات.
المعرض الدولي للخدمات المصرفية والمالية، بحسب مراقبين، جسد رغبة حقيقية لدى القطاع المالي الليبي في تجاوز العقبات والانخراط في عصر الرقمنة، خاصة مع ازدياد الحاجة إلى خدمات مالية متطورة وآمنة تواكب التطور العالمي.
وقد مثل الحدث أيضا فرصة لعرض التجارب المحلية الناجحة في التحول الرقمي وإبراز دور المهندسين الليبيين في تطوير الأنظمة المصرفية المحلية دون الاعتماد الكامل على الشركات الأجنبية.
واختُتم المعرض الدولي للخدمات المصرفية والمالية بتوصيات دعت إلى الإسراع في توحيد السياسات المصرفية وتطوير الكوادر البشرية وتوسيع الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية، إلى جانب إطلاق حملات توعية للمواطنين حول أهمية التعاملات الإلكترونية وفوائدها الاقتصادية.
وبينما تتجه ليبيا بخطى متسارعة نحو اقتصاد رقمي متكامل، يشكل هذا المعرض علامة فارقة في مسار تطوير القطاع المصرفي وتعزيز ثقافة الابتكار المالي في البلاد.

