شهدت مدينة زوارة الليبية أمس الثلاثاء انعقاد المؤتمر العلمي الدولي بعنوان “علماء وإعلام ومعالم نفوسة وزوارة: ماضٍ وحاضر”، تحت شعار “نفوسة وزوارة… اتصال وتواصل” وذلك بإشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وبمشاركة واسعة من الجامعات الليبية والعربية وبحضور عدد من الشخصيات الأكاديمية والسياسية والثقافية.
ويأتي هذا الحدث العلمي ضمن سلسلة من المؤتمرات التي تهدف إلى توثيق التراث الفكري والثقافي لمنطقة نفوسة وزوارة وتعزيز التواصل بين العلماء والباحثين في مختلف المجالات الإنسانية والاجتماعية وقد حظي المؤتمر هذا العام برعاية المجلس البلدي زوارة وبدعم من مؤسسات أكاديمية مثل جامعة نالوت، جامعة الزاوية، وكلية التربية زوارة.
ويعد هذا المؤتمر امتدادا لدورات سابقة نظمت في مدن نالوت وجادو، حيث استضافت نالوت الدورتين الأولى والثانية وجادو الدورة الثالثة، فيما حظيت زوارة هذا العام بشرف استضافة النسخة الرابعة من هذا الحدث العلمي الذي أصبح موعدا سنويا لالتقاء الباحثين والمفكرين المهتمين بتاريخ المذهب الإباضي والتراث الثقافي للأمازيغ في ليبيا وشمال أفريقيا.
وقد حضر افتتاح المؤتمر كل من وزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزيرة الدولة لشؤون المرأة حورية الطرمال، إلى جانب عمداء الجامعات الليبية من نالوت والزاوية وغريان ورؤساء الكليات والمجالس البلدية وممثلين عن هيئات ثقافية وبحثية.
بحوث ودراسات في الفكر الإباضي والتراث العلمي
وتضمن المؤتمر سلسلة من الأوراق البحثية التي تناولت موضوعات متنوعة حول الفكر الإباضي والتراث العلمي والثقافي لمنطقة نفوسة وزوارة وأعلامها البارزين ومن بين البحوث المقدمة:
- بحث الدكتور يوسف بن علي تمزغين من كلية الدراسات الشرعية بالجزائر بعنوان “تعليل الأحكام الفقهية عند الإمام أبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي من خلال كتاب قواعد الإسلام”.
- بحث الدكتور أحمد بن يحيى الكندي من كلية التربية بجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان، بعنوان “الكتابة في الطبقات والسير عند الإباضية وتميز أهل نفوسة فيها دراسة تحليلية مقارنة”.
- ورقة الدكتور محمد الفاضل اللافي من مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة بتونس، بعنوان “الدرس الإباضي من خلال كتاب دراسات عن الإباضية للمفكر عمرو خليفة النامي”.
- دراسة الأستاذ مسعود عيسى العزابي من جامعة نالوت حول “درر وجواهر كتاب الجامع لأبي سليمان داود بن يوسف الوارجلاني”.
- ورقة الباحثة فوزية محمد علي من كلية الآداب بجامعة المرقب بعنوان “تطور الفكر الديني في ليبيا: سالم امحمد مرشان أنموذجًا للرؤية المعاصرة”.
وأوضح رئيس اللجنة المنظمة للمؤتمر أن الهدف من هذا اللقاء العلمي هو إعادة قراءة التاريخ الليبي بعين علمية حديثة، تسهم في التقريب بين أبناء الوطن وتبرز التنوع الثقافي الذي يميز ليبيا كما يهدف المؤتمر إلى إطلاع الأجيال الجديدة على الموروث الثقافي الوطني وربط الحاضر بالماضي بما يعزز قيم الوحدة والانتماء الوطني.
وأكد أن المؤتمر يسعى إلى توثيق مساهمات علماء نفوسة وزوارة في مجالات الفقه والفكر واللغة وإبراز دورهم في الحفاظ على الهوية الإسلامية والاعتدال الديني، خاصة في ظل التحديات الفكرية التي يشهدها العالم اليوم.
المؤتمر يدعو إلى التعايش ونبذ الانقسام
في ختام أعمال المؤتمر، دعا المشاركون إلى تسليط الضوء على المدرسة الإباضية كمنهج فقهي معتدل يدعو إلى التعايش السلمي ونبذ التطرف والانقسام بين المسلمين كما شددوا على أهمية توسيع الأبحاث الأكاديمية حول الفكر الإباضي واللغة الأمازيغية والعمل على إدراجها ضمن المناهج الجامعية لتعريف الطلاب بأهمية هذا الموروث الفكري في تاريخ ليبيا.
وأوصى المؤتمر بتأسيس مركز وطني للدراسات الأمازيغية والإباضية يكون مقره في منطقة الجبل الغربي ويعنى بجمع المخطوطات القديمة وتحقيقها ونشرها في إطار علمي يوثق التراث الثقافي الليبي بمختلف مكوناته.
وعبر وزير التعليم العالي عن دعمه الكامل لمثل هذه الفعاليات التي ترفع من مستوى البحث العلمي وتكرس قيم التنوع الثقافي في ليبيا، مؤكدا أن الوزارة تعمل على تعزيز التعاون بين الجامعات الليبية والعربية من أجل النهوض بالدراسات الإنسانية والفكرية.
كما ثمن الوزير، دور بلدية زوارة في استضافة هذا الحدث العلمي، مشيرا إلى أن نجاح المؤتمر يعكس روح الانفتاح والتعاون بين مؤسسات الدولة والمجتمع الأكاديمي.
ويعتبر هذا المؤتمر العلمي الدولي في زوارة حدثا ثقافيا بارزا يعكس عمق التاريخ الليبي وتنوّعه الفكري، حيث جمعت فعالياته بين الأصالة والمعاصرة واستعرضت جهود العلماء الليبيين الذين أسهموا في بناء الهوية الثقافية والدينية للوطن ومن المتوقع أن تسهم توصيات المؤتمر في إطلاق مبادرات جديدة لحماية التراث الفكري الليبي وتوثيقه رقميا في إطار مشروع وطني شامل للحفاظ على الذاكرة الثقافية للبلاد.

