شهد ديوان مجلس النواب في مدينة بنغازي، أمس السبت، انطلاق أعمال مؤتمر “الوظيفة العامة في ليبيا: واقع ممارساتها وآفاقها المستقبلية”، الذي تنظمه كلية الاقتصاد بجامعة بنغازي، بمشاركة واسعة من الأكاديميين والخبراء ومسؤولي الدولة، ويستمر حتى يوم اليوم الأحد.
ويأتي هذا الحدث العلمي في وقت تسعى فيه ليبيا إلى تحديث مؤسساتها الإدارية وتعزيز كفاءة الجهاز الوظيفي الحكومي، باعتبار أن الوظيفة العامة تمثل العمود الفقري للدولة والمحرك الأساسي للتنمية والاستقرار.
وقد افتتح المؤتمر بحضور مدير كلية الدراسات العليا للعلوم الأمنية والقانونية بوزارة الداخلية، اللواء الدكتور خالد الفائدي وعدد من عمداء الكليات والباحثين الأكاديميين من مختلف الجامعات الليبية، كما شارك ممثلون عن الهيئات الحكومية والمؤسسات البحثية، ما أعطى الحدث طابعًا وطنيًا يجمع بين الجانب العلمي والإداري.
وخلال كلمته في الافتتاح، رحب نائب رئيس ديوان مجلس النواب الدكتور رسمي بالروين بالمشاركين، مؤكدا أن الوظيفة العامة ليست مجرد عمل إداري، بل هي منظومة متكاملة تشكل عصب الدولة وضمان استقرارها ونموها في مختلف القطاعات.
وأشار إلى أن إصلاح الإدارة العامة يمثل حجر الزاوية في جهود بناء الدولة الحديثة وأن تطوير أداء الموظف العام يُعد خطوة أساسية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة.
أهداف مؤتمر الوظيفة العامة في ليبيا
وأوضح المنظمون أن المؤتمر هدفه تشخيص واقع الوظيفة العامة في ليبيا وتحديد التحديات التي تواجهها، إلى جانب طرح مقترحات عملية لتطوير أدائها، عبر مناقشة الأوراق البحثية والدراسات الميدانية المقدمة من المشاركين.
ويغطي المؤتمر عدة محاور رئيسية، من بينها:
مفهوم وأهمية الوظيفة العامة في بناء الدولة.
الرؤية المستقبلية لتطوير الإدارة العامة في ليبيا.
إصلاح نظام التوظيف والترقية في مؤسسات الدولة.
التحول الرقمي ودوره في تحديث الأداء الإداري.
القوانين المنظمة للعمل العام وضمان المساواة في الفرص.
المهارات الناعمة وأثرها على تحسين الإنتاجية والالتزام الوظيفي.
وشهد اليوم الأول للمؤتمر تقديم عدد من الأوراق العلمية التي تناولت موضوعات متنوعة، من بينها النظام القانوني للتوظيف في ليبيا وتحديات شغل الوظائف العامة في ظل التغيرات الاقتصادية والسياسية، إلى جانب ورقة حول أثر مبدأ المساواة على الأداء الوظيفي في مؤسسات الدولة.
وتطرق أحد الباحثين إلى المسؤولية المدنية الناتجة عن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمل الإداري وهو موضوع حديث يعكس التوجه العالمي نحو دمج التكنولوجيا في الإدارة العامة، مع ضرورة وجود إطار قانوني يحدد المسؤوليات والالتزامات.
كما ناقش باحثون من جامعة بنغازي دور المهارات الشخصية والتواصلية (المهارات الناعمة) في رفع كفاءة العاملين وتحسين العلاقة بين المواطن والإدارة، معتبرين أن نجاح أي إصلاح إداري يبدأ من تطوير العنصر البشري قبل أي تغييرات هيكلية.
الزروق: المؤتمر يعكس التكامل بين العلم وصناعة القرار
في سياق متصل، أكد عميد كلية الاقتصاد ورئيس المؤتمر الدكتور أحمد الزروق أن هذا الحدث يعكس التكامل الوطني بين الجامعات ومؤسسات الدولة في طرح القضايا الجوهرية التي تمس حياة المواطن ومستقبل الإدارة العامة.
وأضاف أن الوظيفة العامة ليست قضية إدارية فقط، بل شأن وطني، كونها تمس جميع القطاعات وتؤثر على مستوى الخدمات والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد أن المؤتمر يهدف إلى فتح حوار جاد بين صناع القرار والأكاديميين، للخروج بتوصيات واقعية تسهم في بناء إدارة حديثة قادرة على مواكبة متطلبات العصر، وتحقيق الكفاءة والشفافية في العمل العام.
تطوير الوظيفة العامة في ليببا
ويرى المشاركون أن تنظيم هذا المؤتمر يأتي في مرحلة مفصلية تمر بها ليبيا، حيث تسعى الدولة إلى تحديث بنيتها الإدارية وتعزيز مبدأ الحوكمة الرشيدة في مختلف المؤسسات.
ويؤكد محللون أن تطوير الوظيفة العامة لا يتوقف عند تحسين القوانين واللوائح فقط، بل يشمل تحديث الأنظمة التقنية وتبني التحول الرقمي، بما يضمن تسريع الإجراءات وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين.
وفي هذا الجانب، ناقش المشاركون أهمية تبني أنظمة إلكترونية في إدارة الموارد البشرية والتوظيف، بما يسهم في تقليل التداخلات الإدارية والحد من البيروقراطية، فضلا عن تعزيز الشفافية والمساءلة في مؤسسات الدولة.
أهمية الجامعات الليبية في دعم التطوير الإداري
وسلط مؤتمر الوظيفة العامة في ليبيا الضوء على الدور المحوري للجامعات ومراكز البحث في دعم خطط الدولة لتطوير الجهاز الإداري، من خلال إعداد الدراسات الميدانية وتدريب الكوادر الإدارية الشابة.
وأشار عدد من الخبراء المشاركين إلى أن الاستثمار في التعليم والتدريب هو السبيل الأمثل لتأهيل الموظفين وتطوير أدائهم، مشددين على أهمية الشراكة بين المؤسسات التعليمية والجهات الحكومية في تنفيذ برامج التدريب المستمر.
التحول الرقمي في ليبيا ومستقبل الوظيفة العامة
وركز محور التحول الرقمي على اهتمام خاص داخل المؤتمر، إذ أشار الباحثون إلى أن التكنولوجيا أصبحت ركيزة أساسية في تطوير الإدارة العامة، من خلال تسهيل التواصل الداخلي وتقليص الوقت اللازم لإنجاز المعاملات وتحسين دقة البيانات الحكومية.
وأكد المشاركون أن ليبيا تمتلك كوادر شابة مؤهلة يمكنها قيادة عملية التحديث الرقمي في القطاع الحكومي، شريطة توفير الدعم الفني والتشريعي اللازم لذلك.
ويختتم مؤتمر الوظيفة العامة في ليبيا أعماله اليوم الأحد، بعد مناقشة التوصيات النهائية التي سيجري رفعها إلى الجهات التشريعية والتنفيذية للاستفادة منها في خطط الإصلاح الإداري المقبلة.
ويأمل المشاركون أن تكون هذه التوصيات منطلقا لمرحلة جديدة من العمل الإداري المنظم والشفاف، تسهم في بناء مؤسسات قوية قادرة على تلبية تطلعات المواطن الليبي وتعزز من مسار التنمية الشاملة في البلاد.
وتؤكد جامعة بنغازي وديوان مجلس النواب على أهمية البحث العلمي في صياغة السياسات العامة وعلى ضرورة أن يكون تطوير الوظيفة العامة عملية مستمرة تشمل التشريع والتدريب والتقنية، بما يواكب متغيرات العصر ويعزز كفاءة الدولة الحديثة.

