يستعد المركز الليبي لشؤون القرآن الكريم لإطلاق ندوة علمية مهمة بعد غد الإثنين تحت عنوان «التفاسير الليبية المعاصرة غير المدونة: قراءة في السياقات والمنهجيات» وذلك بمقره في حي الأندلس بالعاصمة طرابلس.
وتقام الندوة العلمية في سياق اهتمام متنامي داخل ليبيا بالحفاظ على الذاكرة التفسيرية المحلية وإعادة قراءة الموروث العلمي الذي ظل لسنوات طويلة حبيس التسجيلات الصوتية والدروس الشفوية والمجالس العلمية الخاصة، دون أن يجد طريقه إلى التدوين المنهجي أو الدراسة الأكاديمية.
وتعتبر هذه الندوة واحدة من أبرز الأنشطة العلمية التي ينظمها المركز خلال السنوات الأخيرة، بالنظر إلى طبيعة موضوعها وأهميته في سياق الجهود الوطنية الرامية إلى توثيق الإنتاج التفسيري المحلي وإتاحته أمام الباحثين داخل ليبيا وخارجها.
ويمر القطاع الديني والفكري في البلاد اليوم بمرحلة مراجعة واسعة للتراث المعرفي، بالتوازي مع تحولات اجتماعية وثقافية عميقة تجعل الحاجة إلى إعادة قراءة تلك التفاسير أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.
وأكد المركز الليبي لشؤون القرآن الكريم أن هدفه الأساسي هو إحياء التراث التفسيري الليبي غير المدون وتسليط الضوء على جهود علماء ومفسرين أسهموا – على مدار عقود – في تشكيل الوجدان الديني الليبي وأن ظل إنتاجهم محصورا في نطاق ضيق بسبب غياب التوثيق.
وشدد المركز على أن هذه المبادرة تأتي ضمن رؤية شاملة تهدف إلى تعزيز حضور ليبيا في مجال الدراسات القرآنية الحديثة وإبراز خصوصية المدرسة التفسيرية الليبية التي تتفاعل مع محيطها العربي والإسلامي وفي الوقت نفسه تعكس الواقع المحلي واحتياجاته الفكرية.
توثيق تجربة أربعة من أبرز المفسرين الليبيين
وتتركز الندوة العلمية على دراسة وتوثيق أعمال أربعة من أبرز المفسرين الليبيين المعاصرين وهم: الشيخ عبدالله القراضي والشيخ محمد الشويرف والشيخ أحمد القطعاني والشيخ عبداللطيف الشويرف.
وقد شكل هؤلاء العلماء قاعدة معرفية مهمة في المجتمع الليبي من خلال دروسهم في المساجد وبرامجهم الإذاعية ومجالسهم العلمية التي عرف عنها الاعتدال والالتزام بمنهجية تفسيرية تجمع بين أصالة التراث ومواكبة الواقع.
وبالرغم أن هؤلاء المفسرين تركوا أثرا واضحا في الذاكرة الدينية الليبية، إلا أن جزءا كبيرا من إنتاجهم التفسيري لم يدون في كتب منهجية وهو ما يجعل مهمة توثيق هذا التراث ذات أهمية كبيرة للباحثين في علوم القرآن.
حيت ان توثيق “التفاسير غير المدونة” ليس مجرد عملية جمع للمحتوى، بل هو إعادة بناء لمنهجيات التفكير التفسيري التي كانت سائدة في ليبيا خلال العقود الماضية وتحليل لطرق تعامل العلماء مع النص القرآني في ضوء الإشكاليات الاجتماعية والثقافية التي واجهتهم.
وسيستعرض المشاركون في الندوة المسارات العلمية لكل مفسر وملامح منهجه في التفسير والأطر المعرفية التي اعتمد عليها، إضافة إلى تتبع مصادره الأساسية، سواء كانت تفاسير تراثية، أو مناهج حديثة ظهرت في القرن العشرين.
كما ستتضمن الندوة عرض نماذج من اجتهاداتهم في تفسير آيات تتعلق بالقضايا المعاصرة، مثل قضايا الأسرة والهوية والعدالة الاجتماعية والعلاقات الدولية وهي قضايا لطالما شغلت العلماء وأثرت في خطابهم الديني.
وتسعى الندوة من خلال هذا التوثيق إلى تقديم صورة محدثة للمدرسة التفسيرية الليبية وإبراز عناصر التميّز التي ميزتها عن غيرها من المدارس العربية، خصوصا في قدرتها على إبقاء التفسير قريبا من القضايا اليومية للمجتمع وعلى الجمع بين الفهم اللغوي للنص القرآني وبين قراءة واقعية لطبيعة التحولات الاجتماعية في ليبيا.
واعتبرت اللجنة العلمية للندوة أن التحليل الدقيق لهذه التفاسير غير المدونة يفتح الباب أمام فهم أعمق للخطاب الديني في ليبيا خلال ما يقارب قرنا من الزمن ويكشف عن كيفية تشكل الذهنية القرآنية لدى أجيال متعاقبة وعن الأبعاد الفكرية واللغوية التي اعتمد عليها العلماء المحليون أثناء تناولهم للنص القرآني.
إحياء التراث وتعزيز حضور ليبيا في الدراسات القرآنية
وأكدت اللجنة المنظمة أن المركز الليبي لشؤون القرآن الكريم سيعمل خلال العام القادم على إطلاق مشروع وطني لجمع وتوثيق الدروس التفسيرية المسموعة، مع تحويلها إلى مادة مكتوبة قابلة للنشر الأكاديمي، بما يسهم في تعزيز الوعي بتاريخ التفسير في ليبيا وتشجيع الباحثين على دراسة المدرسة الليبية بعمق أكبر.
وختم المركز بيانه بدعوة الباحثين والمتخصصين والمهتمين بالشأن القرآني إلى حضور الندوة والمشاركة في النقاش العلمي حول واحدة من أبرز قضايا الدراسات القرآنية في ليبيا اليوم، مؤكدا أن هذه الفعالية تمثل خطوة جديدة نحو بناء ذاكرة تفسيرية وطنية مكتملة تحفظ جهود العلماء وتقدمها للأجيال القادمة ضمن إطار علمي رصين ومنهجي.

