وجه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، نداء عاجل إلى المجتمع الدولي يطالب فيه بتحرك فوري وسريع لمواجهة تفاقم أزمة المناخ، مؤكدا أن التأخر في التصدي لهذه الظاهرة قد يكلف العالم خسائر بشرية واقتصادية غير مسبوقة.
وفي بيان رسمي من مقر الأمم المتحدة في نيويورك، قال غوتيريش إن الاحتباس الحراري والظواهر المناخية المتطرفة لم تعد مجرد تنبؤات علمية، بل واقع يومي يعيشه ملايين البشر في كل أنحاء العالم.
وأوضح غوتيريش أن موجات الحر الشديدة والفيضانات والعواصف المدمرة وحرائق الغابات التي تجتاح مناطق متفرقة من العالم، هي دليل واضح على أن الأرض “ترسل إشارات استغاثة يجب ألا نتجاهلها”.
وأضاف أن تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة حول فجوة تمويل التكيف المناخي يعد بمثابة “جرس إنذار خطير”، موضحا أن التمويل المخصص لمساعدة الدول النامية على التكيف مع آثار التغير المناخي ما زال أقل بكثير من المستوى المطلوب.
وأوضح الأمين العام للأمم المتحدة أن التقرير أظهر أن احتياجات الدول النامية تتجاوز التمويل الحالي بأكثر من 12 ضعفا وهو ما وصفه بأنه خلل في التضامن العالمي.
وقال: “هذه ليست مجرد فجوة مالية، بل فجوة في العدالة الإنسانية، إذ تتحمل الدول الفقيرة نتائج كوارث بيئية لم تتسبب بها أساسا، بينما تظل الدول الصناعية الكبرى متباطئة في تنفيذ التزاماتها”.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أن هذا الخلل لا يمكن معالجته إلا من خلال خطة تمويل عادلة ومستدامة، تضمن حصول الدول المتضررة على الموارد اللازمة لحماية شعوبها وبناء أنظمة إنذار مبكر وتحسين البنية التحتية لمواجهة الكوارث الطبيعية.
مؤتمر كوب 30 في البرازيل الأمل لإنقاذ المناخ
وعلق غوتيريش على المؤتمر المقبل للأمم المتحدة حول المناخ (كوب 30) المقرر عقده في مدينة بيليم البرازيلية، مطالبا قادة العالم بتحمل مسؤولياتهم التاريخية والعمل على وضع خطة عالمية شاملة لحماية الكوكب.
وقال غوتيريش إن المؤتمر المقبل يجب أن يخرج باتفاق حقيقي وقابل للتنفيذ، يضمن أن تمتلك الدول النامية الموارد الكافية لدعم قدراتها في مجالات الأمن الغذائي والمسائي ومواجهة التصحر والحفاظ على التنوع البيولوجي.
وأكد الأمين العام للأمم المتحدة أن نجاح المؤتمر يعتمد على التزام الدول المتقدمة بوعودها السابقة، لا سيما مضاعفة تمويل التكيف وتخصيص جزء من التمويل المناخي العالمي للدول التي تعاني.
وشدد على ضرورة تفعيل “خريطة طريق باكو” التي تهدف إلى تعبئة 1.3 تريليون دولار سنويا بحلول 2035، مع ضمان أن التمويل الجديد لا يؤدي إلى زيادة الديون على الدول النامية.
أصوات عالمية تطالب بمواجهة أزمة المناخ
في الأسابيع الأخيرة صدرت أيضا عدة تحذيرات من منظمات بيئية عالمية، من بينها منظمة غرينبيس والصندوق العالمي للطبيعة، اللتان أكدتا أن معدلات انبعاث الغازات الدفيئة ما زالت في ارتفاع وأن السنوات العشر القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل الكوكب.
ووجه خبراء البيئة تحذبرا من أن استمرار تجاهل التزامات “اتفاق باريس للمناخ” سيؤدي إلى تجاوز درجة الحرارة العالمية حاجز 2 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع مستويات البحار وغرق مناطق ساحلية.
كما دعت مجموعة من الدول النامية، ضمن “تحالف الدول الجزرية الصغيرة”، إلى إنشاء صندوق دولي للطوارئ المناخية يساعد على مواجهة الأضرار الفورية الناتجة عن العواصف وارتفاع مستوى البحر الذي يهدد وجودها.
وفي المنطقة العربية، يشير خبراء من جامعة الدول العربية أن المنطقة من أكثر مناطق العالم تأثرا بتغير المناخ، حيث تواجه ارتفاعا في درجات الحرارة وشحا في المياه وزيادة في معدلات التصحر.
وأيضا تتعرض الدول المطلة على البحر المتوسط والخليج العربي لارتفاعات متكررة في درجات الحرارة مما يؤثر على الإنتاج الزراعي وتستهلك موارد المياه بشكل غير مستدام.
ويرى خبراء أن هذه تحديات المناخ يمكن أن تتحول إلى فرص استثمارية إذا تبنت الدول العربية خططا جادة في مجال الطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وهو ما ينسجم مع رؤية الأمم المتحدة نحو تحقيق “التحول الأخضر” وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
نظم الإنذار المبكر للكوارث المناخية
كما شدد غوتيريش، على ضرورة تنفيذ خطة “الإنذار المبكر للجميع بحلول عام 2027″، التي تهدف لتمكين كل شخص على وجه الأرض من تلقي تحذيرات مسبقة قبل وقوع الكوارث المناخية.
وأكد غوتيريش أن الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر يعد أحد أكثر الحلول فعالية من حيث التكلفة، لأنه يساهم في إنقاذ الأرواح وتقليل الخسائر المادية قبل وقوع الكارثة.
وأوضح أن النظم يجب أن تتضمن استخدام الأقمار الصناعية وتحسين شبكات الأرصاد الجوية وتطوير خطط الطوارئ المحلية وتوعية المجتمعات بطرق التصرف أثناء الأزمات المناخية مثل الفيضانات والعواصف.
وذكر الأمين العام للأمم المتحدة أن أزمة المناخ ليست قضية بيئية فحسب، بل هي قضية إنسانية وتنموية وأمنية، قائلا إنه لا يمكن لأي دولة منفردة أن تواجه هذا التحدي، فمصيرنا على الكوكب مترابط وما يحدث في مكان ما يؤثر على جميع العالم.

