أعلن المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية عن تنظيم احتفالية خاصة لتكريم الأديب والناقد والصحفي الكبير الأستاذ أمين مازن، أحد أبرز رموز الأدب والثقافة في ليبيا وذلك ضمن فعاليات موسمه الثقافي الذي يقام بمقره في شارع سيدي منيدر بالعاصمة طرابلس، تحت شعار «حوارية العرفان».
تفام الاحتفالية على مدى يومي الثلاثاء والأربعاء بمشاركة واسعة من الأدباء والباحثين والنقاد والمهتمين بالشأن الثقافي، حرصا على حضور هذا الحدث الذي يكرس مفهوم الوفاء للرواد الذين أسهموا في إثراء الحياة الأدبية والفكرية الليبية على مدى عقود طويلة.
ويأتي هذا التكريم تقديرا لما قدمه الأديب أمين مازن من إسهامات نوعية في المشهد الثقافي الليبي، فهو واحد من الأسماء التي ارتبطت بالكتابة الجادة والفكر النقدي المتزن منذ أكثر من نصف قرن.
وقد عرفه الجمهور كأديب وصحفي مبدع وناقد تتسم مقالاته وكتاباته بالعمق والوعي، فضلا عن كونه صاحب حضور دائم في المنتديات والملتقيات الثقافية التي شكلت ذاكرة المشهد الإبداعي الليبي.
وأكد بيان المركز الليبي للمحفوظات والدراسات التاريخية، أن هذا الحدث يأتي ضمن سلسلة من الفعاليات الهادفة إلى الاحتفاء بالرموز الفكرية والثقافية التي ساهمت في بناء الهوية الأدبية الوطنية، مشيرا إلى أن الأديب أمين مازن يعد “رمزا للريادة الأدبية في ليبيا وصوتا وطنيا نقيا ظل وفيا للكلمة الصادقة والإبداع المسؤول”.
الأديب أمين مازن رحلة نصف قرن من العطاء الأدبي
ويمثل الأديب أمين مازن حالة ثقافية متفردة في تاريخ الأدب الليبي، إذ تمتد تجربته لأكثر من خمسين عاما من العمل الأدبي والصحفي، تنقل خلالها بين مجلات وصحف بارزة مثل مجلة الرواد ومجلة الإذاعة وجريدة الميدان والأسبوع الثقافي، قبل أن يواصل مسيرته عبر صفحات مجلة الفصول الأربعة التي شكلت منبرا مهما للأدب الليبي الحديث.
ولم تتوقف إبداعات الأديب أمين مازن عند حدود المقالة الأدبية أو النقد الصحفي، بل قدم أعمالا سردية مميزة، من أبرزها ثلاثيته الأدبية الشهيرة “مسارب”، التي تعد من العلامات البارزة في الرواية الليبية الحديثة، لما تحمله من عمق فكري وتحليل اجتماعي دقيق لتطور المجتمع الليبي وتحولاته عبر العقود.
كما اشتهر الأديب أمين مازن بإطلالاته السمعية المميزة عبر الإذاعات الليبية، حيث قدم تحليلات فكرية وثقافية تناولت قضايا الإبداع والهوية ومكانة المثقف في المجتمع، ما جعله من الأصوات التي أثرت الوعي الثقافي لجيل كامل من القراء والمستمعين.
ويحمل عنوان الاحتفالية «حوارية العرفان» رمزية عميقة تعبر عن علاقة الوفاء بين الأجيال الأدبية في ليبيا، فالمركز الليبي للمحفوظات يسعى من خلال هذا الحدث إلى تعزيز ثقافة الاعتراف بالعطاء وتكريم القامات الفكرية التي مهدت الطريق أمام الجيل الجديد من الأدباء والكتّاب.
وتتضمن فعاليات الاحتفالية جلسات حوارية ونقاشية حول تجربة أمين مازن الأدبية والصحفية، يقدم خلالها عدد من الباحثين والنقاد قراءات في مسيرته وأعماله، إلى جانب مداخلات من زملائه الذين عايشوه في مختلف مراحل عطائه، متحدثين عن دوره الفاعل في تأسيس الوعي الثقافي الوطني ومواقفه الثابتة في الدفاع عن حرية الفكر والإبداع.
وتشهد الفعالية عرضا لأبرز مؤلفاته ومقالاته القديمة النادرة التي وثقت تحولات المشهد الثقافي في ليبيا منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
ولم يكن الأديب أمين مازن مجرد كاتب أو ناقد، بل كان قائدا ثقافيا مؤثرا تولى مسؤوليات مهمة في المشهد الأدبي الليبي، حيث حظي بثقة الأدباء والكتّاب على امتداد البلاد وتولى رئاسة رابطة الكتّاب والأدباء الليبيين لعدة سنوات.
وخلال فترة رئاسته، شهدت الرابطة حركة ثقافية نشطة تمثلت في إقامة الندوات والملتقيات والمعارض الفكرية، إضافة إلى تعزيز التواصل بين الكتّاب في مختلف المناطق الليبية، ما ساهم في إعادة الحيوية للمشهد الأدبي وفتح آفاق جديدة أمام الشباب المبدعين.
وفي بيان نشر على موقع وزارة الثقافة والتنمية المعرفية الليبية، وصفت الوزارة الأديب أمين مازن بأنه “حالة أدبية وطنية فريدة”، تمثل صوتا للضمير الثقافي الليبي وركنا أساسيا من أركان المشهد الفكري في البلاد.
وأضاف البيان أن مازن كان مثالا للمثقف المنفتح، الذي لم يتوقف عن الإبداع والكتابة رغم التحديات، مشيرة إلى أن أعماله الصحفية والأدبية أسهمت في إثراء المكتبة الليبية وأثرت النقاش الثقافي العام في البلاد لعقود طويلة.
ويرى المثقفون أن هذه الاحتفالية ليست مجرد تكريم شخصي، بل هي رسالة رمزية للجيل الجديد من الكتّاب والفنانين بضرورة التمسك بقيم الإبداع والمثابرة والعمل الثقافي الهادف.
ويؤكد منظمو الفعالية أن الاحتفاء برواد الأدب هو جزء من مسؤولية المؤسسات الثقافية في حفظ الذاكرة الأدبية الوطنية وإبراز النماذج التي ساهمت في تشكيل الهوية الفكرية الليبية على مدى قرن من الزمن.
ويأتي هذا التكريم في وقت تشهد فيه الساحة الثقافية الليبية حراكا متجددا نحو إعادة الاعتبار للمبدعين الذين تركوا بصماتهم في تاريخ الأدب والفكر، إذ يسعى المركز الليبي للمحفوظات إلى إطلاق موسم ثقافي متواصل يتناول شخصيات أدبية وفكرية تركت أثرا خالدا.
ووفق القائمين على المركز، فإن تنظيم «حوارية العرفان» يشكل انطلاقة جديدة نحو توثيق التاريخ الثقافي الوطني، من خلال إقامة لقاءات وندوات تكشف الجوانب المضيئة في مسيرة الرموز الليبية وتعزز الحوار بين الأجيال الفكرية.

