شهد مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من العملات الرئيسية، استقرارا عند مستوى 100.18 نقطة خلال تعاملات اليوم، بعد أن سجل ارتفاعا طفيفا وصل به إلى 100.25 للمرة الأولى منذ مطلع شهر أغسطس، في ظل تزايد حالة الترقب بشأن توجهات السياسة النقدية الأمريكية خلال الفترة المقبلة.
وجاء هذا الاستقرار بعد جلسات تداول شهدت تقلبات محدودة، وسط انقسامات واضحة بين أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) حول مستقبل أسعار الفائدة، ما أدى إلى تراجع التوقعات بشأن احتمال خفضها في الاجتماع القادم المقرر عقده في ديسمبر المقبل.
وشهدت تعاملات سوق العملات الأجنبية تباينا واضحا اليوم، إذ استقر الدولار الأمريكي عند 1.1483 مقابل اليورو بعد ارتفاع بنسبة 0.3% في الجلسة السابقة وهو ما دفعه إلى تسجيل أعلى مستوى له في سبعة أشهر.
ويرى محللون اقتصاديون أن هذا الأداء يعكس ثقة المستثمرين في استمرار قوة الاقتصاد الأمريكي، رغم البيانات المتباينة الصادرة عن قطاعات العمل والتصنيع خلال الأسابيع الأخيرة.
وفي المقابل، ارتفع الين الياباني بنحو 0.2% ليصل إلى 153.42 ينًا للدولار، مواصلا المكاسب التي حققها أمس الثلاثاء والتي بلغت 0.7% ويعزى هذا التحسن إلى زيادة الإقبال على الأصول الآمنة مثل الين والذهب، في ظل حالة من الحذر تسود الأسواق العالمية بسبب التوترات الجيوسياسية وغياب الوضوح بشأن السياسة النقدية الأمريكية.
أما الجنيه الإسترليني فقد استقر عند مستوى 1.3016 دولار، بعد أن تراجع في جلسة الأمس بنسبة 0.9% متأثرا ببيانات اقتصادية ضعيفة أظهرت تباطؤا في نمو قطاع الخدمات البريطاني، ما زاد من الضغوط على بنك إنجلترا لاتخاذ موقف أكثر حذرا بشأن رفع أسعار الفائدة في الفترة المقبلة.
وفي الأسواق الآسيوية، تراجع الدولار النيوزيلندي بنسبة 0.1% إلى 0.5635 دولار أمريكي، كما هبط إلى 1.1512 مقابل الدولار الأسترالي وهو أدنى مستوى له منذ أكتوبر 2013، بعد صدور بيانات عن سوق العمل النيوزيلندي أظهرت ارتفاع معدلات البطالة وتباطؤ الأجور، ما زاد من احتمالات قيام البنك المركزي النيوزيلندي بتثبيت أسعار الفائدة دون تغيير خلال الاجتماعات القادمة.
وفي المقابل، انخفض الدولار الأسترالي بنسبة 0.2% إلى 0.6476 دولار أمريكي، متأثرا بضعف الطلب على السلع الأساسية وانخفاض أسعار المعادن في الأسواق العالمية.
ويرى خبراء أن أداء الدولار الأسترالي سيظل مرتبطا بتوجهات الاقتصاد الصيني، بوصفه الشريك التجاري الأكبر لأستراليا، خاصة مع استمرار حالة التباطؤ في القطاع العقاري الصيني التي تلقي بظلالها على الطلب العالمي على المواد الخام.
العملات الرقمية تحت ضغط استقرار الدولار
أما سوق العملات المشفرة، لم يطرأ تغير يذكر على عملة “بتكوين” التي سجلت في أحدث التعاملات نحو 100,317 دولارا، لتستقر عند مستوياتها المرتفعة الأخيرة بعد موجة من الارتفاعات المتتالية التي شهدتها خلال الأسابيع الماضية.
ويرى محللون أن الاستقرار الحالي في أسعار “بتكوين” يعكس توازنًا بين عمليات جني الأرباح من قبل المستثمرين وبين استمرار الثقة في مستقبل الأصول الرقمية، خاصة مع تزايد الحديث عن قرب موافقة بعض الجهات التنظيمية على صناديق استثمارية جديدة في العملات المشفرة داخل الولايات المتحدة.
وأشاروا إلى أن تحركات الدولار الأمريكي تظل أحد أهم العوامل المؤثرة في أسعار العملات الرقمية، إذ يؤدي ارتفاعه عادة إلى تراجع الطلب على الأصول عالية المخاطر مثل “بتكوين” والعكس صحيح في حال تراجع الدولار.
انقسامات الفيدرالي الأمريكي تربك الأسواق
في حين، لا تزال الأسواق المالية العالمية تتابع عن كثب تصريحات أعضاء مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذين أبدوا آراء متباينة بشأن توقيت خفض أسعار الفائدة ففي حين يرى بعض الأعضاء أن استمرار التضخم عند مستويات قريبة من المستهدف يتطلب الإبقاء على معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول، يعتقد آخرون أن التشديد النقدي المفرط قد يؤدي إلى تباطؤ الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة، ما يستدعي البدء في خفض تدريجي للفائدة خلال عام 2026.
ويشير عدد من المحللين إلى أن هذا الانقسام يعكس حالة من عدم اليقين داخل البنك المركزي الأمريكي بشأن مدى استقرار الأسعار والنمو، في ظل بيانات اقتصادية متذبذبة تظهر في بعض الأحيان تحسنا في سوق العمل، وفي أحيان أخرى تباطؤًا في معدلات الإنفاق الاستهلاكي.
ويرجح خبراء الاقتصاد أن يواصل مؤشر الدولار الأمريكي التحرك في نطاق ضيق خلال الأسابيع المقبلة، في انتظار صدور بيانات جديدة عن التضخم والناتج المحلي الإجمالي الأمريكي.
وفي حال جاءت الأرقام أعلى من المتوقع، فمن المرجح أن يدعم ذلك استمرار قوة الدولار ويدفع المستثمرين إلى تأجيل رهانات خفض الفائدة حتى منتصف العام المقبل.
وفي المقابل، إذا أظهرت البيانات تباطؤا واضحا في النمو أو تراجعا في الإنفاق الاستهلاكي، فقد تتجه الأسواق إلى توقع خفض الفائدة في الربع الأول من عام 2026، مما سيؤدي إلى تراجع مؤشر الدولار وتعافي بعض العملات الرئيسية أمامه.
ويرى مراقبون أن الأسواق العالمية تمر بمرحلة انتقالية دقيقة، حيث يتجه المستثمرون إلى إعادة تقييم مراكزهم الاستثمارية بين الأصول الآمنة والعالية المخاطر، في ظل الغموض الذي يلف مستقبل السياسة النقدية الأمريكية والعالمية على حد سواء.
كما أن التحركات المحدودة في أسعار العملات والذهب والنفط تشير إلى أن المتعاملين يفضلون الترقب قبل اتخاذ قرارات كبرى، انتظارا لاتضاح الصورة بشأن مسار الفائدة الأمريكية خلال الأشهر المقبلة.
وأكد عدد من خبراء الصرف أن مؤشر الدولار عند مستوى 100.18 يعد إشارة على توازن السوق، بعد أسابيع من التقلبات الناتجة عن تصريحات الفيدرالي الأمريكي وأن أي اختراق لمستوى 100.30 قد يعيد الزخم الشرائي للدولار على المدى القصير.

