تشهد الولايات المتحدة الأمريكية حالة غير مسبوقة من الارتباك في قطاع الطيران، بعد أن ألغت السلطات أكثر من 1330 رحلة جوية، في ثاني أيام التخفيضات التي فرضتها الحكومة الأمريكية على الرحلات الداخلية والخارجية وسط استمرار الإغلاق الحكومي الذي دخل يومه التاسع والثلاثين دون بوادر انفراج قريبة.
وتعتبر هذه الأزمة واحدة من أطول وأعقد حالات الإغلاق في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، إذ بدأت آثارها تمتد من المؤسسات الفيدرالية إلى البنية التحتية الحيوية وعلى رأسها قطاع النقل الجوي الذي يعتمد على آلاف الموظفين الفيدراليين غير المدفوعي الأجر.
وحسب تبارير رسمية صادرة عن إدارة الطيران الاتحادية الأمريكية (FAA)، فقد أصدرت الإدارة تعليمات مباشرة لشركات الطيران بتقليص نحو 4% من الرحلات اليومية في حوالي 40 مطارا رئيسيا في مختلف أنحاء البلاد، بداية من يوم الجمعة الماضي، بسبب نقص حاد في أعداد مراقبي الحركة الجوية الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ أكثر من خمسة أسابيع.
وتتوقع الإدارة أن تتزايد نسبة تقليص الرحلات تدريجيا لتصل إلى 6% يوم الثلاثاء المقبل، ثم 10% بحلول 14 نوفمبر الجاري في حال استمرار الإغلاق الحكومي، مشيرة إلى أن الوضع قد يصبح أكثر تعقيدا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق سياسي قريب يعيد تمويل المؤسسات الفيدرالية.
إدارة الطيران: أخيرات وإلغاءات في عشرات المطارات
وأوضحت إدارة الطيران أن مشكلات التشغيل امتدت يوم السبت إلى 25 مطارا ومركزًا للمراقبة الجوية في مختلف الولايات، ما تسبب في تأخير أكثر من 5450 رحلة، إلى جانب الإلغاءات المسجلة وذلك بعد يوم واحد فقط من تأجيل أكثر من 7000 رحلة وإلغاء ما يزيد على 1000 رحلة يوم الجمعة.
وتشير البيانات إلى أن المطارات الأكثر تضررا شملت مطار جون إف كينيدي في نيويورك ومطار شيكاغو أوهير الدوليون ومطار أتلانتا هارتسفيلد جاكسون وهي من أكثر المطارات ازدحامًا في العالم وأفادت شركات الطيران الكبرى مثل دلتا ويونايتد وأمريكان إيرلاينز بأنها تواجه صعوبات متزايدة في الحفاظ على الجداول الزمنية للرحلات، نظرا لتناقص أعداد الموظفين في غرف المراقبة الجوية ومكاتب التشغيل والمطارات.
فيما أكد وزير النقل الأمريكي شون دافي أن الحكومة تتابع الموقف “بدقة شديدة” وتقيم البيانات التشغيلية بشكل يومي، مشيرا إلى أنه قد يتم رفع نسبة التخفيض في حركة الطيران إلى 20% في حال استمرار غياب المراقبين الجويين أو زيادة الضغط على المطارات الرئيسية.
وقال دافي في تصريحات لمنصة اتصالات النقل الأمريكية: “نحن نقيم الوضع يوميا وسنتخذ قراراتنا بناءً على سلامة المجال الجوي أولا وأخيرا، لا يمكن أن نساوم على سلامة الركاب مهما كانت التحديات”.
وأضاف أن الوزارة تعمل بالتنسيق مع إدارة الطيران الاتحادية لتوزيع المراقبين الجويين المتاحين بشكل أكثر كفاءة بين المطارات لتقليل الازدحام وتأمين الرحلات ذات الأولوية، لافتا إلى أن نحو 13 ألف مراقب جوي و50 ألف موظف أمني يواصلون العمل دون أجر منذ بدء الإغلاق، ما أدى إلى ارتفاع معدلات الغياب وتعطل سير العمليات اليومية.
ويأتي هذا التدهور في وقت تستمر فيه أزمة الإغلاق الحكومي للأسبوع السادس على التوالي، بعد فشل البيت الأبيض والكونغرس في تمرير قانون تمويل مؤقت يضمن استمرار صرف رواتب الموظفين الفيدراليين وتشغيل المؤسسات الحكومية.
وتعود أسباب الأزمة إلى خلافات سياسية حادة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول ميزانية العام المالي الجديد، خاصة فيما يتعلق ببرامج الرعاية الصحية والضرائب وتمويل المؤسسات الأمنية.
ويتهم الجمهوريون خصومهم الديمقراطيين بـ”عرقلة تمرير مشروع قانون تمويل حكومي نظيف” من دون شروط إضافية، فيما يرى الديمقراطيون أن الجمهوريين “يتعمدون تعطيل الحكومة للضغط من أجل تمرير سياسات اقتصادية تخدم الأغنياء وتضر بالطبقات المتوسطة والفقيرة”.
تصعيد وتبادل الاتهامات يزيد الأزمة تعقيدا
ورغم محاولات الوساطة الجارية بين قادة الحزبين في الكونغرس، فإن لغة التصعيد لا تزال سائدة وسط تبادل علني للاتهامات حول مسؤولية تعطيل المفاوضات، فبينما يؤكد الجمهوريون أن البيت الأبيض يتحمل المسؤولية بسبب “إصراره على ربط التمويل بملفات سياسية جانبية”، يرد الديمقراطيون بأن الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب “تعرقل الحلول الوسط” وتضع البلاد على حافة شلل حكومي شامل.
وفي ظل هذا الجمود السياسي، بدأت آثار الإغلاق تمتد إلى قطاعات جديدة تشمل التعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى توقف صرف بعض المساعدات الفيدرالية، ما زاد من حالة القلق بين المواطنين خاصة مع اقتراب موسم العطلات.
فيما حذرت شركات الطيران الأمريكية من أن استمرار الأزمة سيكلفها مليارات الدولارات نتيجة الإلغاءات المتكررة وانخفاض معدلات الحجز، وتزايد شكاوى المسافرين وقال متحدث باسم شركة يونايتد إيرلاينز إن الشركة فقدت خلال الأسبوعين الماضيين أكثر من 300 ألف حجز بسبب الاضطرابات، مضيفا أن “الوضع الحالي لا يمكن استمراره ويجب على الحكومة التحرك لإنهاء الشلل قبل أن تتضرر سمعة قطاع الطيران الأمريكي عالميا”.

