جددت دولة ليبيا خلال كلمتها أمام اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال دورتها الثمانين المنعقدة في نيويورك، موقفها الثابت والداعم لمبادئ نزع السلاح ومنع الانتشار، مؤكدة التزامها الراسخ بالعمل من أجل تحقيق الأمن والسلم الدوليين على أسس عادلة ومتوازنة.
وجاءت كلمة ليبيا التي ألقاها السفير عصام عمران بن زيتون، عضو البعثة الليبية الدائمة لدى الأمم المتحدة، ضمن النقاش العام الذي تناول آليات نزع السلاح وتعزيز الأمن الجماعي، حيث عرض موقف بلاده التاريخي من قضايا نزع السلاح وسياستها المستندة إلى مبادئ الشرعية الدولية.
وأوضح السفير عصام عمران، أن تحقيق سلام عالمي حقيقي يتطلب تعاونا دوليا صادقا وجهدا جماعيا جادا لتجريد العالم من الأسلحة الفتاكة وفي مقدمتها أسلحة الدمار الشامل.
وأكد السفير بن زيتون أن القرار التاريخي الذي اتخذته ليبيا عام 2003 بالتخلي الطوعي عن برنامجها النووي يمثل أحد أبرز النماذج العالمية في الالتزام بالشرعية الدولية وتعزيز الثقة المتبادلة بين الدول.
وأضاف أن هذه الخطوة لم تكن مجرد قرار سياسي، بل خيار استراتيجي نابع من قناعة وطنية بأن السلام والاستقرار لا يمكن تحقيقهما إلا من خلال التعاون والتفاهم وليس عبر سباق التسلح.
وقال السفير في كلمته: لقد قدمت ليبيا نموذجا عمليا في التخلي الطوعي عن برامج أسلحة الدمار الشامل، مساهمة منها في بناء نظام عالمي أكثر أمنا واستقرارا، يقوم على الشفافية والاحترام المتبادل.
وأوضح أن هذا القرار عزز مكانة ليبيا كدولة مسؤولة تسعى دائما إلى دعم مبادئ الأمن الجماعي والتعاون الدولي من أجل نزع السلاح في جميع أنحاء العالم، معتبرا أن التجربة الليبية تشكل رسالة إيجابية للعالم بأن الإرادة السياسية الصادقة قادرة على تحقيق الأمن دون اللجوء إلى سباقات التسلح أو النزاعات.
مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي
وفي سياق كلمته أمام اللجنة الأممية، دعا السفير الليبي إلى إنجاح مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية المقبل والعمل على إعداد وثيقة ختامية شاملة ومتوازنة تضمن مصالح جميع الأطراف.
وأكد أن هذه الوثيقة يجب أن تعكس مبدأ العدالة والمساواة في التعامل مع قضايا نزع السلاح وتراعي حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية لأغراض التنمية والبحث العلمي.
وأوضح أن ليبيا ترى أن المعاهدة تشكل حجر الزاوية في نظام نزع السلاح النووي العالمي، إلا أن تحقيق أهدافها يتطلب التزاما متبادلا من الدول النووية وغير النووية على حد سواء، مشيرا إلى أن ازدواجية المعايير في تطبيق أحكام المعاهدة تمثل تحديا خطيرا أمام مصداقيتها.
ودعا السفير الليبي، الدول النووية إلى تحمل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية بموجب المعاهدة والإسراع في اتخاذ خطوات ملموسة نحو التخلص الكامل من ترساناتها النووية، بما يعزز الثقة في النظام الدولي ويمنع ظهور أزمات جديدة تهدد الأمن العالمي.
وشدد السفير عصام بن زيتون على أهمية إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، باعتبارها خطوة ضرورية لتحقيق الأمن الإقليمي والاستقرار السياسي في واحدة من أكثر مناطق العالم توترا.
وأشار إلى أن ليبيا تؤمن بأن استقرار الشرق الأوسط لن يتحقق ما لم تتبنَّ جميع دول المنطقة موقفًا واضحًا تجاه نزع السلاح والالتزام بالشفافية، موضحا أن غياب الإرادة السياسية لدى بعض الدول هو ما يعوق تنفيذ هذا الهدف الإقليمي الهام، داعيا المجتمع الدولي إلى دعم الجهود الرامية إلى عقد مؤتمر شامل يضم جميع الأطراف المعنية دون استثناء، من أجل التوصل إلى اتفاق واقعي يضمن أمن الجميع.
وتابع: “تحقيق الأمن لا يكون بامتلاك السلاح، بل ببناء الثقة والتعاون واحترام القانون الدولي وهو ما تسعى إليه ليبيا انطلاقا من قناعتها بأن السلم المستدام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد لمستقبل المنطقة”.
دعوة ليبية لتفعيل مؤتمر نزع السلاح
وأعرب السفير الليبي عن قلق بلاده من استمرار حالة الجمود التي يشهدها مؤتمر نزع السلاح في جنيف منذ سنوات، مؤكدا أن هذا الجمود يقوض الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق تقدم فعلي في مجال نزع السلاح الشامل.
وشدد على ضرورة تمكين المؤتمر من أداء ولايته التفاوضية وتنشيط دوره كمنبر رئيسي للحوار والتفاهم حول القضايا الأمنية العالمية، مؤكدا أهمية التوافق على جدول أعمال متوازن وشامل يعالج مختلف مجالات التسلح التقليدي والنووي والكيميائي والبيولوجي.
وأكد السفير بن زيتون أن ليبيا تدعم بشدة مبدأ التعددية والتوازن الجغرافي في آليات الأمم المتحدة، بما يضمن مشاركة عادلة للدول النامية في صنع القرار الدولي المتعلق بقضايا الأمن ونزع السلاح.
وفي سياق متصل، عبر السفير الليبي عن قلق بلاده إزاء سباق التسلح في الفضاء الخارجي، داعيا المجتمع الدولي إلى وضع أطر قانونية واضحة لمنع عسكرة الفضاء وضمان استخدامه للأغراض السلمية فقط، مشددا على أهمية حماية الأمن السيبراني ومنع تحويل الفضاء الإلكتروني إلى ساحة مواجهة بين الدول.
وأوضح أن ليبيا ترى أن التحديات الجديدة، مثل التهديدات السيبرانية والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة، تتطلب مقاربات جديدة تستند إلى التعاون الدولي والشفافية والمسؤولية، لتجنب سباق تسلح جديد في مجالات التكنولوجيا الحديثة.
واختتم السفير عصام بن زيتون كلمته بالتأكيد على أن ليبيا ستظل ملتزمة بنهجها السلمي واختيارها الطوعي للتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، معتبرا أن التجربة الليبية أثبتت أن الأمن لا يتحقق بالقوة العسكرية، بل من خلال الاستقرار السياسي والتنمية المستدامة وبناء الثقة بين الشعوب.
واختتم كلمته، قائلا: “إن السلام والتنمية هما الضمانة الحقيقية لأمن الشعوب وإن ليبيا ستظل تعمل مع شركائها الدوليين من أجل تحقيق عالم خالي من السلاح، تسوده العدالة والمساواة والاحترام المتبادل”.

